السبت، 2 فبراير 2008

صحيفة الجزيرة تكشف المنسيون في شهار الطائف والبالغ عددهم 174 مريضاً مجهولاً


تمر السنون على أول يوم وجدوه تائهاً في أحد الأودية.. والسماء في بلادي لا تمطر بشراً وإلا من أين أتى تائهاً.. ليال طوال وهو يسير حافي القدمين إلى أن عثر عليه من قِبل أهل الخير الذين قاموا بتسليمه للجهة المختصة ومنها أرسل لمستشفى الصحة النفسية بالطائف (شهار) ملامح وجهه وملابسه الرثة والعبارات التي يرددها فاقداً لأهليته.. من يكون.. وإلى أين يذهب.. لا يمكن أن يُترك هائماً على وجهه طوال العمر لينقل إلى المكان المناسب ويعطى عنواناً دائماً: مستشفى الصحة النفسية بالطائف (شهار) - (الاسم - مجهول - الهوية - مجهول) وعندما تسقط آخر أوراق عمله ويأتي الأجل يبكي العاملون حيث كان أباً لممرضين لم ينجبهم وكانت أماً لممرضات لم ترضعهم، وحدها مخافة الله تدفعهم للاهتمام بهذا ورعاية تلك فالدولة وفرت لهم السكن والمأكل والدواء والكساء وشعار المؤسس في مملكة الإنسانية محاربة الجهل والفقر والمرض وملايين تُدفع وترعى بها الدولة أبناءها حتى لو تاهوا.. مات المسافر بلا هوية يريدون أن يحملونه أو يحملونها على أكتافهم..؟ عندما جاءت المنية تطول المكاتبات ويطول بقاؤهم في ثلاجة الموتى فالكل يتعجل الدفن ولكنها اللوائح والقوانين بلا قلب حيث لا بد من استيفاء الإجراءات النظامية فأول مرة وجدوه قبل 30 عاماً أو أكثر والمقر هنا إلى أن يُستدل على ذويه، والجندي الذي أحضره أول مرة إلى هنا قد تكون أقداره أسرع فعجوز طاعنة في السن أو طفلٌ يافع هُم الورثة (كلالة) ولكن لا بد من وجود الأوراق.. شهادة الوفاة باسم من..؟ ومن يعرف؟ من..؟ كيف يرثون من لا يعرفون مكانه وكيف يُحكم لهم بالميراث لمن لا يُعرف عنه..هل ما زال على قيد الحياة؟ ولو افترضنا أنه لا وجود لميراث أو ورثة أليس إكرام الميت دفنه.. تتحجر الدموع في مقلة من يخاف الله وما أكثرهم في هذا الوطن وهُم عاجزون أمام لوائح تطول لكي تنتهي.. منهم من لاقى أجله ومنهم من ينتظر حيث يُبكيهم العاملون في مجال الصحة النفسية في هذه المنشأة ومهما قيل عنهم..؟ فالأجر وتوزيع الثواب ليس بيد البشر فهم يختلفون ويجتمعون من جديد، حماس بلا نظير في خدمة من لا حول ولا قوة لهم.. صرخات مكتومة عندما يكفنونه وأكثر منها عندما يعجزون عن الاتصال بآخرين معروفين أنهم ذووهم وجحودهم في الحضور لاستلامهم ودفنهم, إنهم (المرضى المجهولون) فمنذ أن تم تأسيس مستشفى الصحة النفسية بالطائف وحتى اللحظة احتضن 174 منهم بدون اسم ولا هوية وغير معروفين ولم يزرهم أحد، النساء منهم 28 كذلك منهم من لاقى أجله ومنهم من هرب ولا يعرف عنه شيء ومنهم ما زال بالمستشفى حالياً البعض منهم لا يتحدثون فقد فقدوا نعمة النطق والسمع. وكُشف عن أول حالة مجهولة دخلت المستشفى بالطائف يوم 12 - 11 - 1378هـ قبل 50 عاماً وأخرج من المستشفى وسلم لشرطة العاصمة المقدسة في 26 - 12 - 1383هـ فيما سجلت أول حالة هروب لمريض مجهول بالمستشفى والذي دخله في يوم 19 - 2 - 1386 هـ كان بتاريخ 16 - 6 - 1386 هـ فيما بقيت جُثتان مجهولتان مسجلتان بثلاجة مستشفى الصحة النفسية إحداها لامرأة منذ شهر ونصف والأخرى لرجل منذ أربعة أشهر وينتظران تصريحاً بدفنهما. ومن الحالات المجهولة والموجودة بالمستشفى حالياً امرأة (60 عاماً.. مجهولة الاسم والهوية) دخلت في يوم 6 - 11 - 1385هـ قبل 43 سنة فهي لم تتلق أي زيارة ولا يسأل عنها أحد لا من قريب ولا من بعيد وأخرى دخلت المستشفى عام 1410هـ مجهولة الاسم والهوية وكانت قد أحيلت من شرطة العاصمة المقدسة وتوفيت يوم 21 - 9 - 1428هـ فيما كانت آخر حالة لشخص مجهول الاسم والهوية قد دخلت المستشفى يوم 25 - 1 - 1428هـ وكان قد أحيل من قِبل شرطة السيل الكبير وما زال منوماً بالمستشفى ولم يتلق أي زيارة من أحد من ذويه. إعاقات مزدوجة (الجزيرة) التقت بعض الحالات الموجودة بالمستشفى من مجهولي الهوية وحاولنا التحدث معهم ولكن دون جدوى فهم يتمتمون بكلمات غير مفهومة والرجفة تجتاحهم وكأنهم يتطلعون لمعرفة حقيقتهم المنسية بعد أن تُركوا وضاعت هويتهم ولم يعد الواحد منهم يتذكر من هو..! ويؤكد الإخصائي الاجتماعي بالمستشفى مسفر القحطاني أن معظم الحالات المجهولة تعاني إعاقة مزدوجة (بكم وتخلف وانفصام عقلي) ووضعهم داخل الجناح هاديء ومُستقل وجميعهم منذُ أن دخلوا من سنوات طوال لم يتلقوا أي زيارة أبداً. من يصدق ما يقوم به العاملون في مجال الصحة النفسية (متخلفون عقلياً..مقعدون.. ومرضى ذهانيون) هل لك أن تتخيل ما هي أشكال الخدمة التي تقدم لهم فأبناء هذا الكيان وبناته يقدرون مسئوليتهم ولا يبحثون عن الأضواء بقدر بحثهم عن الأجر، وما تقدمه الدولة لهم أكبر بكثير وعلى عاتقها تم تأهيلهم وتدريبهم إلى أن وصلوا هذا المستوى الرفيع من تأدية الواجب. دور متكامل مدير الشؤون الصحية بمحافظة الطائف الدكتور عبد الرحمن كركمان أكد في تصريح ل(الجزيرة) أن دورهم من الناحية الطبية يقومون به على أكمل وجه وقال: الدولة لم تتأخر في دعم هذا القطاع والعاملين فيه للوصول والحمد لله لهذا المستوى من الخدمة الذي نرضاه، منوهاً بجهود صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة الذي يوجه ببذل كل ما من شأنه تقديم الخدمة المميزة واللائقة بهم وتذليل الصعوبات التي قد تقابلهم، كذلك لا أنسى جهود معالي وزير الصحة الدكتور حمد المانع الذي يدعمنا في ذات المجال كما أن مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة مكة المكرمة الدكتور خالد ظفر زار المستشفى ووقف على ما يُقدم وأثنى على جميع العاملين به والمستوى الرفيع الذي وصلوا إليه وذكر أن المشكلة لها جذور يتجاوز بعضها 40 عاماً مؤكداً أنه في الوقت الراهن لا يمكن استقبال مريض ما لم يحمل هوية وفي حالات خاصة يمكن إعطاؤه العلاج الاسعافي إذا حضر من قِبل جهة مختصة أما دخول مريض إلى المستشفى دون هوية فلا يمكن ذلك في الوقت الراهن، فالهوية هي الأساس في استكمال الإجراءات النظامية لفتح ملف طبي والموجودون يتم اتباع الطرق النظامية بمكاتباتنا لتسليمهم أو معرفة ذويهم وأعرب عن شكره لجميع العاملين في هذا المجال موصيهم بتقوى الله عز وجل وطيب المعاملة لأي مريض وبالذات مرضى الصحة النفسية. المصدر صحيفة الجزيرة لهذا اليوم

ليست هناك تعليقات: